التدهور غير المسبوق لقيمة العملة
اليمنية امام العملات الأجنبية هذه الأيام تزيد من معاناة الشعب اليمني بشكل غير
مسبوق، حكومة صنعاء ألقت باللوم على دول «التحالف» الذي تقوده السعودية في اليمن،
فضلاً عن التواطؤ الدولي واستخدام الاقتصاد كأحد أوراق الحرب على اليمن.
أوضح نائب عميد كلية التجارة والاقتصاد
في جامعة عمران، الدكتور نبيل محمد العلفي لـ«العربي» أن الريال اليمني فَقَدَ
خلال ثلاثة أسابيع حوالي 32% من قيمته، مقارنة بسعره الأساسي ممع بداية الحرب في
اليمن في مارس 2015م. كما انخفضت أكثر من 160% من قيمته الشرائية، وسط عجز لحكومتي
صنعاء وعدن عن اتخاذ إجراءات تصحيحية لوقف تدهور قيمة العملة الوطنية.
ولفت العلفي في حديثه لـ«العربي»، إلى
أن ما يحدث في اليمن من تدهور اقتصادي هو ناتج عن التواطؤ الدولي واستخدام
الاقتصاد كأحد أوراق الحرب على اليمن، تمثل ذلك في تدني مستوى المساعدات الخارجية،
وانخفاض الإيرادات العامة نتيجة استمرار الحصار، ووقف تصدير البترول والغاز،
وتداعيات نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء.
وأشار إلى قيام السفير الأمريكي لدى
اليمن ماثيو تولر بتهديد وفد صنعاء بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على العاصمة،
وتحويل العملة اليمنية الى ورقة لا تساوي قيمة الحبر الذي تحمله. وقد جاء ذلك عقب
اللقاء الذي جمع بين رئيس حكومة عبدربه منصور هادي، أحمد عبيد بن دغر، مع السفير
الأمريكي أواخر الشهر الماضي، وذلك كوسيلة ضغط اقتصادية على صنعاء في أي مفاوضات
قادمة برعاية الأمم المتحدة.
تدهور الريال اليمني أدى الى اتساع
دائرة المجاعة في اليمن وزيادة البطالة، حيث تشير الاحصائيات الى ارتفاع نسبة
الفقر الى أكثر من 85%، حيث يواجه المواطن اليمني موجة غلاء شديدة تتمثل في
الارتفاع المبالغ فيه لأسعار السلع والمشتقات النفطية، وهو الأمر الذي أكدته الأمم
المتحدة ومنظماتها العاملة في المجال الإنساني في تقاريرها عن أن اليمن يواجه أسوأ
أزمة إنسانية في العالم.
وازدادت الاختلالات في الميزان التجاري
لليمن، حيث انخفضت قيمة الواردات خلال عام 2017م الى 6,4 مليار دولار مقارنة
بـ14,7 مليار دولار عام 2014م، كما انخفضت قيمة الصادرات خلال الفترة ذاتها من 7,9
مليار دولار الى 406 مليون دولار، حسب تقرير وزارة الصناعة والتجارة في حكومة
«الإنقاذ» بصنعاء.
أسباب تدهور سعر العملة الوطنية
أكد خبراء واقتصاديون لـ«العربي» أن
أسباب تدهور سعر العملة الوطنية وارتفاع سعر العملة الأجنبية يرجع إلى استمرار
الحرب على اليمن، وانعدام الاستقرار السياسي منذ 2011م وغياب السياسة المالية
والسياسة النقدية لوزارة المالية والبنك المركزي اليمني، فسجلا غياباً عن تصحيح
الاختلالات المالية والنقدية، إضافة إلى قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية، ما
تسبب برفع الطلب على العملات الأجنبية لتغطية فاتورة استيراد الوقود.
وأشار خبراء اقتصاديون إلى قيام التجار
والمستوردين بسحب أرصدتهم من العملة المحلية لدى الجهاز المصرفي، وتحويلها إلى
قنوات خارج البنوك لتكون جاهزة لشراء الدولار بأي سعر، وهو ما أكده نائب عميد كلية
التجارة والاقتصاد في جامعة عمران، الدكتور نبيل محمد العلفي في حديثه إلى
«العربي».
ولفت العلفي الانتباه إلى آثار زيادة
الطلب على الدولار لسداد فاتورة الاستيراد، فضلاً عن نفاد الاحتياطات النقدية
الاجنبية لدى البنك المركزي بسبب توقف صادرات النفط والغاز، وعدم وجود لائحة تحدد
السلع المسموح باستيرادها، أضف إلى ذلك قرار نقل وظائف البنك المركزي الى عدن،
وقيام حكومة الرئيس هادي و«التحالف» بطباعة أكثر من 600 مليار ريال يمني من دون
غطاء نقدي، كل ذلك تسبب بانهيار قيمة العملة الوطنية مقابل العملة الاجنبية.
وتابع أن كل ما تقدم يضاف إلى عدم وجود
لائحة تحدد السلع المسموح باستيرادها، حيث يتم استيراد 75% من الاحتياجات
الغذائية، و100% من المشتقات النفطية، و90% من القمح والحبوب، فضلاً عن قيام
«التحالف» بمنع البنوك التجارية من تحول فوائضها من الريال السعودي والعملات
الأجنبية الى حسابات مراسليها من البنوك خارج اليمن، لتغطية الاعتمادات المستندية
للسلع المستوردة، وتسريب نسبة كبيرة من السيولة النقدية من الجهاز المصرفي الى
مكاتب وشركات الصرافة، ما أدى الى المضاربة في العملة والمتاجرة بالسيولة النقدية.
الجهاز المصرفي وعجز الجهات المسؤولة
من جهته، قال ممثل القطاع المصرفي
عبدالله محمد عبده في حديث لـ«العربي»، إن «أسباب ارتفاع سعر العملة جاء نتيجة
تكدس العملة الوطنية في بعض البنوك وارتفاع الطلب على العملة الأجنبية في ظل غياب
العرض»، مؤكداً «تعطل الدورة النقدية في الجهاز المصرفي وعجز الجهات المسؤولة عن
دفع التزامات الحكومة تجاه الأفراد والمؤسسات (رواتب أجور ونفقات)». وكشف عبده عن
ثلاث أسباب وراء ذلك تتمثل بـ:
أولاً، توقف البنك المركزي عن توفير
العملة الصعبة بسعر البنك لتمويل ودعم استيراد المواد الأساسية وغيرها، فضلاً عن
توقف البنوك عن فتح الاعتمادات والتحويلات الخارجية، ما دفع المستوردين إلى
الاتجاه لشراء الدولار من السوق الموازي بدلاً من ضخ السيولة للجهاز المصرفي لتمويل
مشترياتهم الخارجية، أمر نتج عنه ازدياد الطلب على النقد وبقائه خارج الدورة
النقدية، ويعتبر هذا أحد أسباب ظهور الفارق الكبير بين أسعار الصرف وفارق القيمة
بين التعامل النقدي والشيكات الذي تجاوز 30 % حالياً.
ثانياً، إحجام بعض الأجهزة الرسمية عن
ضخ ما يتم تحصيله من المكلفين للجهاز المصرفي.
ثالثاً، طباعه النقود الجديدة، حيث
أسفرت عن نمو الطلب على العملة الاجنبية بشكل كبير، بالإضافة الي كونها لم تكون
مغطاة بما فيه الكفاية، في حين لم يتم سحب التالف من العملة القديمة.
طباعة من دون غطاء
وفي الوقت الذي تشهد فيه العملة
اليمنية تدهوراً مستمراً أمام العملات الأجنبية، دشن البنك المركزي اليمني في عدن،
الأربعاء، تداول الفئة الجديدة من العملة المطبوعة فئة 200 ريال.
وأعلن البنك المركزي إصدار عملة ورقية
نقدية جديدة من فئة 200 ريال يمني، مبرراً ذلك بالمادة 24 من قانون البنك المركزي
اليمني رقم 14 لسنة 2000م وتعديلاته، وهي تحث البنك على الإعلان للجمهور عن قيامه
بطباعة ورقة نقدية جديدة من فئة 200 ريال يمني، وإصدارها للتداول.
هذه الخطوة كسرت سعر صرف الدولار في
السوق اليمني اليوم إلى 560 ريال يمني، كما تشير التطورات المصرفية السلبية التي
يشهدها السوق المحلي منذ أكثر من أسبوع، والتي تنذر بكارثة إنسانية إن استمر
الدولار في التصاعد مقابل تدهور الريال اليمني، ما يؤدي إلى ارتفاع في اسعار
المواد الغذائية الاساسية، فتتآلف جميعها لتهلك كاهل المواطن اليمني، وقد افتقد
المدخول الذي يعينه على مواجهة هذه الأزمة.